التناقض بين المادية التاريخية و الفلسفة الماركسية - الماركسية: مادية القرن السابع عشر!....
إنّ ((الإنجليز والفرنسيون قد قاموا بالمحاولات الأولى من أجل إعطاء كتابة التاريخ أساساً مادياً، و ذلك حين كانوا السباقين إلى كتابة تواريخ المجتمع المدني، والتجارة، والصناعة - كارل ماركس)).
و هكذا، إنَّ الأبحاث التاريخية والاقتصادية، هي حجر الأساس للمادية التاريخية، تماماً كما أنَّ الأبحاث الفيزيائية، هي حجر الأساس للمادية الطبيعية. وبقدر ما هو مستحيل أن ننسب العلوم الطبيعية إلى شخص واحد في التاريخ، بقدر ما هو مستحيل أن ننسب المادية التاريخية إلى شخص كارل ماركس، رغم إسهامه الكبير في تطوير المنهج المادي للتاريخ.
ويجب القول إنَّ المادية التاريخية، هي طريقة أو منهج لتفسير العالم، وليس مخطط فلسفي لتغير المجتمع، و((إنَّها لا تقدم في حال من الأحوال، مثل الفلسفة، وصفة أو مخططاً يمكن وفقاً له تكييف العصور التأريخية – كارل ماركس)).
أمَّا إذا أردنا أنْ نحدد التناقض بين المادية التاريخية والفلسفة الماركسية، فعلينا أنْ ننظر إلى هذه الفلسفة من خلال صلتها التاريخية بالفلسفة على العموم، وتبعيتها للنظام الفلسفي الألماني على الأخص من جهة، وإلى التناقض الكلي بين منهجي المادية التاريخية والفلسفة من جهة أخرى، وهذا هو بالتحديد غرض هذه الدراسة.
1- الماركسية: مادية القرن السابع عشر!
لابد من الإشارة أولاً إلى أنَّ مبشر الفلسفة الماركسية، هو الأممية الثانية، لذلك ليس من المستغرب ان نرى منذ الوهلة الاولى بان الماركسية خليط من المذاهب السياسية، والأيديولوجية المختلفة لهذه الأممية. ومع ذلك، يمكننا القول بأنَّ موطن الماركسية في شكلها الحديث، هو روسيا التي كانت ما تزال تفتقر إلى القدرة على التصور المادي للتاريخ إلاَّ بالمعنى الفيورباخي، وهذا على العكس من المادية التاريخية، التي تعود جذورها إلى أوروبا الصناعية، التي كانت تقدم المواد الوافية لإجراء العمل التجريبي التاريخي، وأول اختلاف بين هذين المنهجين للعالم المادي، يتمثل في طريقة البحث في الأشياء، فالمادية التاريخية طريقة تبحث الأشياء ما وراء العالم العيني، بينما الفلسفة الماركسية تنطلق دائماً من المادية العينية في تفسير الأشياء، فالأولى، أي المادية التاريخية، تبحث المجتمع البشري خلال النظر إلى الحركة المتصلة للتاريخ الإنساني من حيث هو حصيلة تطور التجارة، والصناعة، والمبادلة العالمية، بينما الثانية، أي الفلسفة الماركسية، لا تتحقق من الأشياء بناءاً على شكل الماديين العينيين، أو التجريبيين التجريديين فقط، وإنَّما تنظر إليها بالمنظار الفلسفي الذي يؤمن بهيمنة الأفكار على العالم أيضا. وإذا اقتربنا من جوهر الفلسفة الماركسية، نرى أنَّها خليط من الفلسفة الإغريقية القديمة، والفلسفة الهيغلية الألمانية، وطفولة المادية التاريخية، أما جذورها الأصلية فتعود بالتحديد إلى مادية القرن السابع عشر، فمادية الماركسية في كمال تطورها إلى التاريخ، ترجع إلى المادية الميكانيكية التي تندمج في آخر تحليل مع العلوم الطبيعية، وبالأخص مع مدرسة نيوتن الفيزيائية، ومادية ديكارت، و سبينوزا (الذرة، والحواس، والمغنطيس). وكما هو معلوم، فقد كانت المادية الفرنسية على الأخص، ترتبط برابطة وثيقة مع المادية الإغريقية القديمة، تماماً كما كانَ المنهج الفلسفي الهيغلي، يشتق روحه الدياليكتيكي من الفلسفة الإغريقية القديمة. ولكن الدياليكتيك الهيغلي في علاقته بعصر المادية الميكانيكية، كان ينخرط شيئاً فشيئاً في التناقض مع ميتافيزياء القرن السابع عشر، الأمر الذي كان يقرب دياليكتيك هيغل من المادية الميكانيكية. وفي واقع الأمر، فإنَّ تعارض الفلسفة الماركسية مع الميتافيزياء بالذات، تعبر عن هذا الاندماج التاريخي بين المادية االميكانيكية، ودياليكتيك هيغل، بالإضافة إلى تأمل فيورباخ الدنيوي الذي حل محل التأمل اللاهوتي والفلسفة التأملية، حيث أنَّ فيورباخ بقي أسيراً للتأملات الفلسفية على الدوام، أو بالأصح لم ينقطع قط عن الفلسفة.
((إنَّ تصور العالم الحسي لدى فيورباخ يقتصر، من جهة واحدة على مجرد تأمل هذا العالم، ومن جهة أخرى على العاطفة المجردة. إنَّه يقول (الإنسان) بدلاً من أن يقول (البشر التاريخيين الفعليين) .. إنَّه ملزم بالالتجاء إلى أسلوب مزدوج في النظر، ، فهو يتأرجح بين اسلوب في النظر عامي لا يدرك إلاَّ (ما هو مرئي بالعيون المجردة) وأسلوب في النظر أرفع، فلسفي .. و لا تقوم خطيئة فيورباخ في انه يخضع ما هو مرئي بالعين المجردة، المظهر الحسي، للواقع الحسي المقرر بفضل دراسة أعمق للأوضاع المشخصة، بل تقوم على العكس من ذلك، في انه لا يستطيع في آخر تحليل ان يتغلب على المادية دون ان يعتبرها (بالعينيين)، يعني من خلال (منظار) الفيلسوف - كارل ماركس)).
وهكذا، نرى أنَّ الاختلاف بين النظرة المادية للتاريخ والفلسفة المعاصرة عامة، بما فيها فلسفة فيورباخ، ثمَّ الفلسفة الماركسية التي اشتقت أهم عناصرها من هذه الأخيرة، هو بالضبط اختلاف بين العيون التجريبية لفيزيائي، وعيوننا المجردة في النظر إلى العالم الطبيعي، هذا إذا ما تركنا جانباً العالم الميتافيزيائي الذي قدمت الفلسفة خلاله أول تخيلها عنه، فالتاريخ المادي ليس فقط الصناعة، والتجارة، والزراعة، والمنتجات، والتبادل، أو الأشياء التي لا علاقة لها ببعضها البعض، بل هو العلاقات العالمية، المتشابكة لهذه الأشياء، لذا من المستحيل حتى، فهم العالم الحسي كما هو موجود في الواقع، دون النزول إلى التداخل المادي لهذه الأشياء التاريخية، فالسمة المميزة للفلسفة الماركسية، هي هذه العينية التي تتميز بها فلسفة فيورباخ على الأخص. وإذا ما بدأنا من بليخانوف (1856 - 1918) مؤسس الفلسفة الماركسية الروسية، نجد أنَّ الماركسية ليست سوى سبينوزية - فيورباخية، أمَّا إذا بدأنا من لينين (1870 - 1924) تلميذ بليخانوف ومطبق الماركسية القومية الروسية، فنجد أنَّ الماركسية هي الفيورباخية - الهيغلية للعصر الحديث، وعلى حد تعبير لينين، فكتابات بليخانوف، وعلى الأخص (الماركسية: قضايا أساسية) هي أفضل شرح لفلسفة الماركسية. وهكذا، وفي كلتا الحالتين، تعود جذور الفلسفة الماركسية ومختلف مذاهبها المعروفة اليوم بالماركسية، والماركسية – اللينينية، والتروتسكية، إلى بليخانوف ليس بوصفه أول ماركسي في تاريخ روسيا فحسب، بل وبوصفه أول مادي في تاريخ روسيا حتى بالمعنى الفرنسي أيضاً، ويقول هذا العملاق الماركسي:
((الماركسية فلسفة شاملة. إنَّها بإيجاز، المادية المعاصرة التي تمثل حالياً أرقى درجات تطور تلك النظرة إلى العالم، والتي كانت أسسها قد أرسيت في اليونان القديمة من قبل ديموكريتس، وجزئياً من قبل المفكريين الأيونيين))، ((فهو يرينا، أي ماركس وإنجلس، وهما يخطوان خطوات هامة في مواصلة تطوير فلسفة فورباخ))، ((ومن بين الأسباب الرئيسية، ما نراه اليوم من ضيق رقعة الانتشار أولا: معرفة فلسفة هيغل التي يصعب بدونها استيعاب منهج ماركس – بليخانوف)).
هذه هي طفولة الفلسفة الماركسية، الفلسفة التي نعرفها اليوم باعتبارها فلسفة حديثة ليس لتفسير العالم، بل لتغييره، حسب الماركسيين، فالماركسية ظهرت منذ نشأتها كأيديولوجية فلسفية، وهذا على العكس من المادية التاريخية التي نشأت على أنقاض الأيديولوجية الفلسفية، وكلِّ الفلسفة و الفلاسفة من أبيقور إلى فيورباخ.
وهكذا، وكما نرى فإنَّ شجرة نسب الفلسفة الماركسية تعود إلى الألمان، بينما تعود الجذور التاريخية للمادية التاريخية، إلى الإنجليز بالتحديد، فعدما قام الألمان بتصوير العالم من خلال الذهن الفلسفي الألماني، قام الإنجليز بمحاولاتهم الأولى من أجل تصوير العالم كما هو موجود، وهذا من خلال إعطاء كتابة التاريخ أساساً مادياً.
إنَّ الفلسفة تأتي على أنقاض الميثولوجيا، ولكنَّها لا تتخطى التأمل حتى في كمال تصورها للتاريخ (فيورباخ مثلاً). وإذا كان المصدر التأملي للفلسفة هو العالم القديم، ثمَّ أول تقسيم للعمل الجسدي والعمل الذهني، فالمصدر التجريبي للمادية التاريخية، هو العالم الصناعي الحديث، والذي يستمد العلم مضمونه منه، وطريقته التجريبية في تحري الأشياء.
((كما أنَّ الشعوب القديمة عاشت ما قبل تاريخها في تخيلات في المثيولوجيا، فكذلك نحن الألمان عشنا تاريخنا المقبل في الفكر، في الفلسفة – كارل ماركس)).
وبما أنَّ الفلسفة لها شروط وجودها التأريخية الخاصة، فإنَّنا نجدها محقة في تكوين الأوهام عن العالم ليس في شروط وجودها المحلية فقط، بل و حتى في استعارة التأملات الفلسفية من الأمم الأخرى أيضاً، وباعتبارها مسألة حق بالنسبة لواقعها الحسي (هيغل من افلاطون، وبليخانوف من فيورباخ). ولكن تجب الإشارة إلى أنَّ الفلسفة القديمة قد ظهرت إبان انحلال عالم الميثولوجيا، أمَّا الفلسفة الماركسية، فقد ظهرت إبان اكتمال العالم الحديث، رغم أنَّها لم تجد بذورها في روسيا بالمعنى الفرنسي حتى، فالمخيلة الفلسفية الروسية تغوص دون جدوى إلى أعماق الفلسفة الأوروبية، ولكن لا تجد بذورها إلاَّ في فرنسا القرن السابع عشر، وألمانيا القرن التاسع عشر، أي البلد الذي افتقر كلياً إلى المواد التاريخية، من أجل إعطاء كتابة التاريخ أساساً مادياً، كما يقول كارل ماركس.
إنَّ الأيديولوجية الفلسفية ترى أنَّ العالم تسوده الأفكار، والأفكار والمفاهيم هي المبادئ المقررة، والأفكار المقررة هي لغز العالم المادي الذي هو في متناول الفلاسفة. هكذا انتقد ماديِّ القرن التاسع عشر، العالم الخيالي الذي ينتسب إليه الفيلسوف (محب الحكمةPhilosopher )، العالم الذي تستطيع فيه الفلاسفة التحرر من كلِّ قيود العالم المادي، والانصراف إلى تكوين النظريات و المذاهب الفلسفية المختلفة عن العالم بما يفوق التصورات المادية عن التاريخ، وكأنَّهم ليس لهم أساس أرضي لتخيلاتهم الفلسفية، أو كما ينتقد ماركس الألمان: كأنَّه لم يكن لهم قط أساس أرضي من أجل التاريخ، التاريخ الذي لا يدرس ولا يعالج إلاَّ في علاقته بالصناعة والمبادلة، ((بيد أنَّه من المحال في ألمانيا كتابة مثل هذا التاريخ، لأنَّ الألمان لا يفتقرون إلى القدرة على تصوره، وإلى المواد فحسب، بل يفتقرون أيضاً إلى (اليقين الحسي)، ذلك أنَّه لا يمكن إجراء التجارب على هذه الأمور من الجانب الآخر من الراين - كارل ماركس)).
لم تكن محاولات الماركسيين الروس أحسنَ من محاولات الألمان في إعطاء كتابة التاريخ أساساً ماديا إلاَّ قليلاَّ، ولم تقدم الحياة الواقعية في روسيا بذرة المادية، إلاَّ على صورة شبحية لسبينوزا، أي مادية القرن السابع عشر، وأول مادي نعرفه في تاريخ روسيا هو بليخانوف، الذي لم يتبع المادية إلاَّ باعتبارها سلسلة من الأفكار و المفاهيم تبدأ من اليونان القديمة وتنتهي في ألمانيا. ولم يدرك الماركسيون الروس قط الفرق بين (الفلسفة) و(المادية) ولا بين (العلم) و(المادية التاريخية)، لذلك ليس من المستغرب أن يحول الماركسيون المادية إلى فلسفة، وماركس إلى فيلسوف، والشيوعية (المشاعة – الكومونة) إلى علم أو تعاليم كارل ماركس، وأن يعبر عن المادية على الشكل التالي:
((لقد دافع ماركس وإنجلس بكل حزم عن المادية الفلسفية، وبيّنا مراراً عديدة ما في جميع الانحرافات عن هذا الأساس من أخطاء عميقة، ووجهات نظرهم معروضة بأكثر ما يكون من الوضوح والتفصيل في مؤلفي أنجلس: (لودفيغ فورباخ) و (دحض دوهرينغ) وهما على غرار (البيان الشيوعي) الكتابان المفضلان لدى كلِّ عاملٍ واعٍ، ولكن ماركس لم يتوقف عند مادية القرن الثامن عشر، بل دفع الفلسفة خطوات إلى الأمام، فأغناها بمكتسبات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، ولاسيما بمكتسبات مذهب هيغل، الذي قاد بدوره إلى مادية فيورباخ – لينين)).
كما نرى هنا، فإنَّ ماركسية لينين هي نسخة مطابقة لماركسية بليخانوف، هذا العملاق الذي أنشأ مدرسة فلسفية خاصة بروسيا، لكن على عكس لينين و بليخانوف، والعكس هنا هو الصحيح، فالمادية التاريخية لم تصل إلى حد النضج في تصوراتها عن العالم المادي، دون دحض مسبق للفلسفة الألمانية بالذات، وفي شخص ممثليها هيغل وفيورباخ على الأخص. ويستعير لينين فكرته عمَّا يسمى بالمادية الفلسفية من بليخانوف بالذات. ولكن هل هناك في الواقع شيءٌ يُسمى المادية الفلسفية؟ إنَّ المادية التاريخية قد ظهرت في الأساس لتدحض أطروحات فلسفية عن التاريخ البشري، وفي أعماله، أسهم كارل ماركس بعمق في دحض الفلسفة والعالم الذي يتصوره الفلاسفة من خلال تأملاتهم الفلسفية، فلا المادية فلسفة ولا كارل ماركس فيلسوف. ))إنَّ الأفكار والصور والمفاهيم، وفقاً للنظام الهيغلي، قد أنتجت، وقررت، وسادت حياة البشر الواقعية، وعالمهم المادي، وعلاقتهم الفعلية – كارل ماركس)). أمَّا المادية التاريخية، فتبحث التاريخ بطريقة مادية وليست فلسفية، أي خيالية.
وهكذا، نرى أنَّ الفلسفة الماركسية، لا تعبر سوى عن الأوهام الفلسفية الروسية الخاصة عن التاريخ، وفي أحسن الأحوال، فالماركسية الروسية، هي مادية محاطة بالأوهام القومية الروسية على الأخص. لذلك سيكون من المستحيل في الواقع التجريبي حتى، التمييز بين المادية الطبيعية والمادية التاريخية، فماركسية بليخانوف تبحث في الأساس العلاقة بين (الفكر والوجود) بدل التاريخ، وهذا نظراً لنقص المواد التاريخية في روسيا، لتجارب مثل هذه الأمور، لذلك وكأي فلسفة أخرى، بقيت الفلسفة الماركسية، أسيرةً للأوهام الأيديولوجية:
((إنَّ أحدث اكتشافات العلوم الطبيعية، كالراديوم، والإلكترونات، وتحوّل العناصر- قد أثبتت بشكل رائع صحة مادية ماركس الديالكتيكية – لينين)).
ولا يعبر هذا التفهم للمادية التاريخية، سوى عن العالم الطبيعي الذي لا ينعكس في الدماغ الفلسفي إلاَّ في صورته المرئية، العالم الذي يفتقر بالفعل إلى التصور المادي عن التاريخ، فالمادية التاريخية، لا تشغل البال بالذرة، والحواس، والمغناطيس، وأصل الأنواع، والفكر، والمادة، بل بالطريقة التي تعتمد عليها هذه العلوم التجريبية، أو كما يقول كارل ماركس، إنَّ التصور بأنَّ المادة هي اللب والمضمون الفعلي لنظرة الماديين إلى العالم، خطأ من الأساس. و أنَّ الاختلاف الفعلي بين المادية التاريخية والعلم، يتجسد في كون العلم بحكم طبيعته، مضطر إلى تجريد الأشياء في أعماله التجريبية، الأمر الذي يعتبر أساس الماديين التجريبيين التجريديين (المادية العينية) التي تنتمي إليها الفلسفة الماركسية بمختلف مذاهبها: الماركسية، والماركسية – اللينينية، والتروتسكية، والماوية. أمَّا المادية التاريخية، فتبحث العلاقة بين البشر وتاريخهم العالمي كشرط مسبق لكل نشاطات الفرد التجريبية، وترى المادية التاريخية:
((أنَّ وجود البشر التجريبي الفعلي يجري على صعيد التاريخ العالمي بدلاً من أن يجري على صعيد الحياة المحلية – كارل ماركس))، فالتاريخ العالمي، هو الأساس التجريبي المشخص لنظرة الماديين إلى كلِّ ما يحيط بالأفراد من ظواهر: الإنتاج كالمبادلة، ورأس المال كالعمل، والمنافسة العالمية، وتقسيم العمل العالمي، البروليتاريا والشيوعية، والأفكار والأيديولوجيا، إلخ...
أمَّا الفلسفة الماركسية، فتلخص تصوراتها عن التاريخ من خلال ما تشاهده العيون المجردة، وهذا هو بالتحديد الأساس الفعلي لكلِّ الثقافة السائدة في المجتمع المعاصر، أي الثقافة البرجوازية بالتحديد، فهذه الثقافة هي ثقافة سياسية سطحية ناتجة عن الحركة اليومية المتصاعدة للرأسمالية نفسها (الاستعمار، والاستقلالية الوطنية، والعولمة، وبرنامج الحد الأدنى، إلخ...)، وفي نفس الوقت، تجابه هذه الثقافة، التخلف بالمدنية، والاحتكار بالوطنية، والدكتاتورية بالديمقراطية، والفساد بالأخلاق، إلخ... علمً بأنَّ المدنية، والوطنية، والديمقراطية، تشكلُ البؤرة الواقعية لجميع التناقضات الإنسانية، وتنافس الأمم فيما بينها على مسرح التاريخ العالمي.
وقد حاولت الفلسفة الماركسية – اللينينية على الأخص، تقديم هذه الأفكار، في صورة ضبابية عن العالم الواقعي، لذلك ليس من المستغرب أن تخيب كلُّ آمال الماركسيين المعاصرين أنفسهم، بصدد إنهاء علاقات العبودية المأجورة، هذا ومادامت الفلسفة الماركسية، تفسد كلَّ يوم مرة، تقديرات الماركسيين بخصوص نهاية تاريخ الرأسمالية، لأَّنَّ هذه الفلسفة وككلِّ الفلسفة، تضع أفكاراً فلسفية محل التصور المادي عن العالم القائم، والشروط الواقعية لإنهائها، فالفلسفة الماركسية، تضع في الأخير، إنتاج الفلسفة عن العالم، بدل الإنتاج الفكري الناتج عن العمل التجريبي، أو التاريخ الفعلي. لذلك فالماركسيون، يحلون دائماً التحرر الفلسفي (الخيالي)، محل التحرر المادي (الواقعي). ولكن ((التحرير فعل تأريخي و ليس فعلاً ذهنياً، وهو يتحقق بفضل شروط تأريخية .. ان هذه التطورات الخاصة بالافكار، هذه الحقارات المؤمثلة و العاجزة، تحل مكان التطورات التأريخية الغائبة – كارل ماركس)).
الخلاصة:
ليست الماركسية سوى خليط من الفلسفة الإغريقية القديمة (أفلاطون، وهيراكليتس، وأبيقور) والدياليكتيك الألماني (هيغل) ومادية القرن السابع عشر (نيوتن، و ديكارت، و سبينوزا) وجزئياً مادية القرن التاسع عشر (فيورباخ)، بالاضافة إلى ذلك، فإنَّ مصدر الماركسية، هو مادية إنجلس القريبة من المادية الطبيعية. وليس التعارض بين لينين و بليخانوف، وستالين وتروتسكي، وماوتسي تونغ وخروتشوف، سوى تعارضٍ عقائدي بين المذاهب المختلفة للفلسفة الماركسية نفسها. إنَّ العناصر الأساسية التي تتمسك بها كلٌّ هذه المذاهب، هي نفس العناصر السبينوزية، والفيورباخية، والهيغلية التي تتكون منها العناصر الأساسية للفلسفة الماركسية، وفي مشاجراته مع بليخانوف، لا يقدم لينين شيئاً جديداً عن الفلسفة عموماً، والفلسفة الماركسية خاصة، سوى أوهام روسية جديدة عن العالم القائم وقوانينه الاقتصادية، فهو يقف وراء نفس المفاهيم الفلسفية التي ابتكرها بليخانوف، ويحارب بها بليخانوف على أنَّه مرتد عن الفلسفة التي خلقها بنفسه، ففي مجابهة بليخانوف، لا يفعل لينين شيئاً، سوى تكرار ما قاله الأول عن الهيغلية و الفيورباخية، مع بعض الإضافات من أقوال كارل ماركس، التي ليست لها علاقة إطلاقاً بالماركسية التي خلقها تاريخها الروسي الخاص، وماركسية لينين ليست سوى تطوير خلاق لسبينوزية بليخانوف. والكتاب المقدس للماركسيين الروس، هو كتاب (الماركسية: قضايا أساسية) لبليخاوف، والذي أصبح إنجيلاً جديداً للماركسيين الشيوخ كالماركسيين الشباب، ومصدراً أكثر حيوية لكلِّ الثقافة المعروفة بالثقافة الماركسية، منذ بداية القرن العشرين وإلى يومنا هذا.
أقوال الفلاسفة في الـــنـــــــــــجـــــاح
الـــــــــــنـــــجـــــــــــــاح
كلمة يحبها الجميع .. ومن منا لا يريد أن يكون ناجحاً
بعض عبارات النجاح ... قالها وصاغها فلاسفة هذا الزمن
أترككم مع هذه الكلمات لهؤلاء الفلاسفة بــ جزئها الأول ..
أقـــوال فـــي الـــنـــجـــاح
1/ الحياة إما أن تكون مغامرة جرئيه ... أو لا شيء ( هيلين كيلر )
2/ ليس هناك من هو أكثر بؤساً من المرء الذي أصبح اللا قرار هو عادته الوحيدة ( وليام جيمس )
3/ إذا لم تحاول أن تفعل شيء أبعد مما قد أتقنته .. فأنك لا تتقدم أبدا (رونالد .اسبورت )
4/ تعود على العادات الحسنه وهي سوف تصنعك ..!!
5/ غالبا ما يكون النجاح حليف هؤلاء الذين يعملون بجرأة، ونادراً ما يكون حليف أولئك المترددين الذي يتهيبون المواقف ونتائجها.
6/ لا يجب أن نحكم على ميزات الرجال بمؤهلاتهم، ولكن باستخدامهم لهذه المؤهلات.
7/ نحن نسقط لكي ننهض... ونهزم في المعارك لنحرر نصراً أروع.. تماما كما ننام لكي نصحوا أكثر قوةً ونشاطاً. (بروانبخ)
8 / الرجل الناجح هو الذي يظل يبحث عن عمل، بعد أن يجد وظيفة !!
9/ ينقسم الفاشلون إلى نصفين: هؤلاء الذين يفكرون ولا يعملون، وهؤلاء الذين يعملون ولا يفكرون أبداً. (جون تشارلز سالاك)
10/ لا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب والفشل واليأس، وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات.
11/ إننا ندفع ثمنا غالياً من جراء خوفنا من الفشل. إنه عائق كبير للتطور يعمل على تضييق أفق الشخصية ويحد من الاستكشاف والتجريب، فلا توجد معرفة تخلو من صعوبة وتجربة من الخطأ والصواب .... وإذا أردت الاستمرار في المعرفة عليك أن تكون مستعداً طيلة حياتك لمواجهه خطورة الفشل. (جون جاردينر)
12/ يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال.. ولكني لا أؤمن بالظروف فالناجحون في هذه الدنيا أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها فإذا لم يجدوها وضعوها بأنفسهم. (برنارد شو)
13 / عندما أقوم ببناء فريق فأني أبحث دائما عن أناس يحبون الفوز ، وإذا لم أعثر على أي منهم فأنني ابحث عن أناس يكرهون الهزيمة ( روس بروت )
14/ إن أعظم اكتشاف لجيلي ، هو أن الإنسان يمكن أن يغير حياته ، إذا ما استطاع أن يغير اتجاهاته العقلية ( وليام جيمس )
15/ يجب أن تثق بنفسك .. وإذا لم تثق بنفسك فمن ذا الذي سيثق بك !!؟؟
16/ إن ما تحصل عليه من دون جهد أو ثمن ليس له قيمه .
17/ إذا لم تفشل ، فلن تعمل بجد .
18/ ما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح .
19/ الهروب هو السبب الوحيد في الفشل ، لذا فإنك تفشل طالما لم تتوقف عن المحاولة .
20/ إن الإجابة الوحيدة على الهزيمة هي الانتصار ( ونستون تشرشل).
21/ لعله من عجائب الحياة ،إنك إذا رفضت كل ما هو دون مستوى القمة ، فإنك دائما تصل إليها (سومرست موم )
22/ إن ما يسعى إليه الإنسان السامي يكمن في ذاته هو ، أما الدنيء فيسعى لما لدى الآخرين (كونفويشيوس )
23/ قد يتقبل الكثيرون النصح ، لكن الحكماء فقط هم الذين يستفيدون منه ( بابليليوس سيرس )
24/ عليك أن تفعل الأشياء التي تعتقد أنه ليس باستطاعتك أن تفعلها .( روزفلت )
25/ من يعش في خوف لن يكون حراً أبدا ( هوراس )
26/ الرجل العظيم يكون مطمئناً ، يتحرر من القلق ، بينما الرجل ضيق الأفق فعادة ما يكون متوتراً (كونفويشيوس )
27/ إن عينيك ليست سوى انعكاسا لأفكارك ( د إبراهيم الفقي )
28/ إن الاتصال في العلاقات الإنسانية يتشابه بالتنفس للإنسان ، كلاهما يهدف إلى استمرار الحياة ( فرجينيا ساتير )
29/ افعل الشيء الصحيح فأن ذلك سوف يجعل البعض ممتناً بينما يندهش الباقون ( مارك توين )
30/ أن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب
( رالف و.أمرسون )
نشأة الفلسفة. محطات الفلسفة. منطق الفلسفة.الفلسفة و القيم.
المحور الأول : نشأة الفلسفة :
تقديم إشكالي :
الفلسفة أو (فيلوسوفيا)...أين ظهرت؟ ومتى ظهرت؟ لماذا ظهرت في هذا البلد وليس في ذاك؟ لماذا في هذا الزمان دون غيره من الأزمنة؟ ماهي الشروط التي ساهمت في بروز هذا النمط من التفكير وفي انتشاره؟ وكيف تم الانتقال من التفكير الأسطوري إلى التفكير الفلسفي؟ ثم ما هو الجديد الذي حملته الفلسفة بصفة عامة معها بالقياس إلى أنواع التفكير التي كانت سائدة آنذاك؟
كيف نفسر فعل نشأة الفلسفة وانتشارها؟ هل بالحروب أم بالهجرات؟ أم بالثقافة السائدة آنذاك؟ أم بشكل النظام السياسي والاقتصادي؟ أم ببنية المدينة اليونانية وخصوصيات تركيبتها؟ أم ماذا؟
يتكون إطار نشأة الفلسفة من ثلاثة مجالات هي "اللغة" و "المكان" و "الزمان" وترتبط هذه المجالات باليونان القديمة، ففي بلاد اليونان، وفي بداية القرن السادس قبل الميلاد، وفي المدينتين أثينا وملطية اليونانيتين ظهر بعض المفكرين الذين لم يهتموا بالأحداث والمظاهر ولكن بالمبادئ الكامنة وراء مختلف الأشياء، وكان يطلق على هؤلاء اسم حكماء طبيعيين.
هؤلاء الحكماء الطبيعيون الذين اندهشوا من التغير الذي يطرأ على الأشياء، الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن طبيعة تلك المبادئ بإرجاع المتعدد إلى الواحد والمتغير الى الثابت وهذا ما حاول.نيتشه أن يبرزه في النص ص15.
إلا أن صفة الحكمة لا تنحصر في الحضارات اليونانية وحدها، بل سبقتها إلى ذلك حضارات وشعوب أخرى في الشرق القديم (الصين، الهند...). غير أن تلك الحكمة ارتبطت عندهم بالأساطير والمقدسات الدينية فقط، وليس بالطبيعة كما حصل عند حكماء اليونان الأوائل، كان أول هؤلاء طاليس الملطي... الذي أرجع أصل الأشياء كلها إلى عنصر واحد هو الماء، أما بالنسبة لانكسماندر فقد اعتبر "اللانهائي" هو العنصر الأولي في الطبيعة، أما أنكسماس فقد قال بالهواء، في حين قال هيراقليطس بالنار كعنصر أولي... وهكذا فمنذ بداية ظهور الحكمة، يستبين أنها جاءت معارضة للأساطير المفسرة لأصل العالم، لذا قدمت نفسها على شكل علم ومعرفة حقيقية بالطبيعة، هذه المعرفة هي التي سمحت للإنسان أن يحتل مكانه الحقيقي بين الآلهة والحيوانات في قلب العناصر الطبيعية...وفي القرن الرابع قبل الميلاد سيتم الانتقال من الحكمة إلى الفلسفة مع سقراط الذي يرجع إليه الفضل في إرساء أسس التفكير الفلسفي القائم على الحوار التوليدي.
ورغم أن سقراط لم يخلف أثرا مكتوبا، إلا أن أفلاطون احد تلامذته هو الذي خلده من خلال محاوراته الشهيرة.
وهكذا جاءت الفلسفة في بدايتها الأولى في القرن السادس قبل الميلاد لمعارضة ومواجهة الأسطورة ليحل اللوغوس Logos (وهو كلمة يونانية تعني الخطاب، المبدأ، العقل والعلم) محل الميتوس Mythos (وهو كلمة يونانية تعني الأسطورة)، وهكذا سيحل اللوغوس الذي يستعمل البرهان من خلال توظيف الحجة محل الميتوس الذي يستعمل فيه السرد الخيالي. فاللوغوس ظهر بشكل بارز مع ظهور الخطاب المكتوب الذي يعتمد العقلانية والصرامة المنطقية والحجة والبرهان وهذا ما يذهب إلى تأكيده جون بيير فرنان. بالإضافة إلى هذه العوامل هناك عامل آخر أساسي في ظهور نظام سياسي هو نظام الدولة المدينة حيث كانت تعتبر الساحة العمومية Agora قلبها النابض.
وفي هذه الساحة كان اللقاء يتم بين المواطنين لتبادل الرأي والمشورة ومناقشة كل قضاياهم الفكرية والسياسية والاجتماعية وكذا الاستمتاع بالمسرح والفنون عامة، مما أشاع الثقافة والمعرفة بين مواطني المدينة، ومن تم أصبحت السلطة والمعرفة شأنا عاما بعد أن كانت حكرا على عائلات واسر معينة، وهكذا أظهرت الديموقراطية كنظام يحافظ على السير العام للمجتمع.
وقد ساهم إلى جانب المدينة، الدولة، انفتاح المدن اليونانية وخاصة منها أثينا (نظرا لموقعها الجغرافي) على الدول المجاورة يفضل مينائها التجاري الذي يبوئها مكانة إستراتيجية بعد انتهاء الحروب وسيادة السلم عقب ذلك، في تطور وانتشار الفلسفة.
إن تضافر هذين الشرطين سيساهم إلى جانب عوامل أخرى في إرساء دعائم الفلسفة في بلاد اليونان وانتقالها فيما بعد إلى مراكز أخرى.
وإذا حاولنا تحديد الإطار اللغوي لنشأة الفلسفة ، فإننا سنجد أن الفلسفة philosophie هي لفظة يونانية مركبة من كلمتين هما :فيليا Philia وتعني محب/محبة وصوفياSophia وتعني حكمة أي محبة الحكمة Philosophia. ويعتبر فيتاغورس وهو عالم رياضيات وفيلسوف يوناني في القرن السادس قبل الميلاد. أول من أطلق عليها هذا الاسم وأول من أراد لنفسه أن يكون محبا للحكمة.
المحور الثاني : محطات في تطور الفلسفة
ألأشكال المحوري : هل تعد الفلسفة اليونانية هي الشكل الواحد الأوحد الذي عرفه تاريخ الفكر الفلسفي الإنساني، أم هناك أشكال فلسفية أخرى؟ أليس للحضارة الإسلامية والحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة انتاجات فلسفية مثلت محطات أساسية في تطور الفكر الفلسفي؟
تقديم : أشرنا في المحور السابق إلى صعوبة تحديد تعريف عام للفلسفة، وذلك لأنه لا وجود لفلسفة واحدة، بل هناك عدة فلسفات متعددة بتعدد فلاسفتها. وهذا يعني أننا لا ندرس الفلسفة كما ندرس أي علم من العلوم، بل إنما ندرس فلسفات الفلاسفة، أي أفكار ونظريات رجال عاشوا عبر التاريخ، بمعنى أننا لا ندرس الفلسفة بل تاريخها.
والواقع أن الفلسفة، و تاريخ الفلسفة جانبان مرتبطان من الصعب الفصل بينهما، إن دراسة أفكار أي فيلسوف ما، كثيرا ما تضطرنا إلى الرجوع إلى أفكار فلاسفة آخرين سبقوه أو عاصروه، بمعنى أن دراسة الفلسفة لا تعني في الحقيقة أكثر من دراسة تاريخها. فما هو إ&#ÿÿ84;ن تارÿÿ1610;خ الفلسفة؟ وماهي المحطات الأساسية في تاريخ تطور الفلسفة؟
ترافق تطور العلوم عند العرب والمسلمين ابتداء من القرن الثاني الهجري مع ظهور اهتمام بالفلسفات الشرقية واليونانية، وللعمل على ترجمتها ما أدى إلى تشكيل حركة فلسفية قادها عدد من المفكرين المسلمين من العرب وغير العرب وأهمهم ابن رشد الذي دافع عن ضرورة دراسة الفلسفة وتعلمها، لان الشرع يدعو إلى التعبير والتأمل في الموجودات لأنها تدل على وجود الصانع، وبما أن الفلسفة ليست شيئا أكثر من النظر في الموجودات للوصول إلى وجود الصانع، فان الفلسفة إذن لا تعارض الدين، بل تدعمه وتؤيده، وهذا هو رد ابن رشد على الغزالي الذي كفر الفلاسفة، ودعا إلى تحريم الفلسفة باعتبارها تخالف الشريعة، وهناك عدة فلاسفة مسلمين من أهمهم : الكندي، الفارابي، ابن سينا ، ابن طفيل، ابن باجة....
هذا فيما يخص الفلسفة الإسلامية ، أما الفلسفة الغربية ، فقد انقسم تاريخها إلى أربعة مراحل: القديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة. وتمتد مرحلة الفلسفة القديمة من القرن السابع عشر.ق.م إلى القرن الخامس الميلادي. وتمتد مرحلة الفلسفة الوسطى من القرن الخامس إلى القرن السابع عشر، أما الفلسفة الحديثة، فتمتد حتى القرن التاسع عشر، أما الفلسفة المعاصرة فتمتد من القرن العشرين إلى العصر الحالي.
الفلسفة القديمة: كانت في معظمها يونانية، وأعظم الفلاسفة من العهد القديم كانوا ثلاثة من اليونانيين في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو، حيث أثرت فلسفتهم في الثقافة الغربية المتأخرة.
أما فلسفة القرون الوسطى تميزت بالتطور بكيفية جعلتها جزءا من اللاهوت النصراني، وهكذا لم يبق للفلسفة اليونانية والرومانية من آثار سوى ما تركته من أثر على الفكر الديني، وبعد القديس أوغسطين أشهر فلاسفة العصور الوسطى، كما انه في هذا العصر سادت منظومة فكرية تسمى بالمدرسية بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر، والمدرسية تشير إلى منهج فلسفي للاستقصاء، استعمله أساتذة الفلسفة واللاهوت في الجامعات الأولى التي ظهرت في أوربا الغربية، ولقد نشأت هذه المدرسة نتيجة لترجمة أعمال أرسطو إلى اللاتينية التي هي لغة الكنيسة النصرانية في العصر الوسيط، فهذه الأعمال حثت المفكرين آنذاك على التوفيق بين أفكار أرسطو الرئيسية والتوراة والعقيدة النصرانية، إن أشهر المدرسين هو القديس توما الاكويني، حيث اجتمع في فلسفته فكر أرسطو والفكر اللاهوتي حتى أنها أصبحت هي الفلسفة الرسمية الرومانية الكاثوليكية.
أما الفلسفة الحديثة، فهي نتيجة لحركة ثقافية كبرى تسمى النهضة، أعقبت نهاية العصور الوسطى وشكلت فترة انتقالية بين فلسفة القرون الوسطى، والفلسفة الحديثة. نشأت النهضة في إيطاليا نجمت عن إعادة اكتشاف الثقافة اليونانية والرومانية، وأيضا للتقدم الكبير خاصة في مجال الفلك والفيزياء والرياضيات، وأيضا لظهور النزعة الإنسية التي أعادت الإعتبار إلى الإنسان ومجدته، وبعد فرانسيس بيكون الإنجليزي من أوائل الفلاسفة المؤيدين للمنهج التجريبي العلمي وإلى جانبه رينيه ديكارت الفرنسي مؤسس الفلسفة الحديثة في ق17، خاصة في كتابه الشهير "مقال في المنهج" الذي عرض فيه رؤية جديدة في التفكير نقوم على النقد ومراجعة المعارف المكتسبة، وضرورة تأسيس طريقة جديدة تقوم على قواعد محددة لتوجيه العقل (الشك، تقسيم المشكلة إلى أجزاء، ترتيب الأفكار، مراجعة عامة للنتائج). كما أنه أولى أهمية كبرى للأنا المفكر أي الوعي بالذات، وقد تجلى ذلك في قولته الشهيرة "أنا أفكر ، أنا موجود" وإلى جانب ديكارت هناك فلاسفة آخرين (سبينوزا، لايبنيز، جون لوك،دافيد هيوم، إيمانول كانط، هيجل، ماركس، نيتشه) كل هؤلاء الفلاسفة ساهموا في تطوير الفلسفة الحديثة القائمة على العقلانية والتجريبية والجدلية....
أما الفلسفة المعاصرة أو فلسفة القرن العشرين، فقد شهدت انتشار خمس حركات رئيسية، اثنان منها: الوجودية والظواهرية كان لهما تأثير كبير في بلدان أوربا الغربية.
أما الحركات الثلاث الأخرى: الذرائعية (البرجماتية (المنفعية) والوضعية المنطقية، والبنيوية التفكيكية فقد مارست تأثيرها خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
في منتصف القرن العشرين أصبح تأثير الوجودية ملحوظا، وذلك أن الحرب العالمية الثانية(1939-1945) ولدت شعورا عاما باليأس والقطيعة من الوضع القائم، هذا الشعور قد أفضى إلى الإعتقاد بأن الناس عليهم أن ينشئوا القيم التي تليق بهم في عالم أصبحت القيم القديمة فيه عديمة الجدوى، كما أن الوجودية تلح على القول : إن الأفراد يجب عليهم أن يحددوا اختياراتهم وبذلك يعبرون عن شخصيتهم المتميزة، لأنه لا توجد أنماط موضوعية تفرض على الفرد فرضا، ويعتبر الكاتب الفرنسي جان بول سارتر أشهر الفلاسفة الوجوديين.
أما الفلسفة الظاهرية فقد أنشأها الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، الذي تصور أن مهمة الظاهرية وبالتالي مهمة الفلسفة تتمثل في وصف الظاهرة، أي موضوعات التجربة الشعورية، بصفة دقيقة وبكيفية مستقلة عن كل الافتراضات المشتقة من العلم. ويعتقد هوسرل أن هذا العمل من شأنه أن يؤدي إلى إدراك الواقع إدراكا فلسفيا.
أما الفلسفة النفعية البرجماتية والتي يمثلها الأمريكان وليم جيمس وجون ديوي، فتؤكد أن المعرفة خاضعة للعمل، وذلك أن اشتمال الأفكار على المعاني والحقائق متعلق بمدى ارتباطها بالتطبيق.
أما الفلسفة الوضعية المنطقية نشأت في ﭬيينا بالنمسا في العشرينات من القرن العشرين فتقول: إن الفلسفة ينبغي أن تحلل منطق لغة العلم، وهي تعتبر العلم المصدر الوحيد للمعرفة وتدعي بأن ما وراء الطبيعة لا فائدة منه، اعتمادا على مبدأ إمكانية التحقق، أي أن القول لا يكون له معنى إلا إذا ثبت بالتجربة الحسية أنه مطابق للحقيقة، ويعد البريطاني ألفرد جون أير من أكبر فلاسفة المذهب الوضعي المنطقي. المشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا أي أنها تزول بمجرد تحليل للعبارات التي صيغت
أما الفلسفة البنيوية التفكيكية فقد حاولت أن توجد الحلول للمشكلات الفلسفية عن طريق تحليل مفردات اللغة ومفاهيمها كما حاولت بعض اتجاهات هذه الفلسفة أن تبرهن على أن بعض المشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا بمجرد تحليل العبارات التي صيغت بها.
ومن أشهر الفلاسفة الذين مارسوا التفكيك والتحليل الفلسفي هناك برتر اندراسل، ولود فيتجنشتاين.
المحور الثالث والرابع: منطق الفلسفة والفلسفة والقيم
غالبا ما توصف الفلسفة بأنها فعل من الوجود والمعرفة موضوع تفكيرها. والسير في طريق الفلسفة يقتضي التساؤل والبحث عن منهج كفيل بتحقيق المعرفة الحقة. فكيف يتم التفكير الفلسفي وماهو منطقه الخاص؟
بالرغم من اختلاف أشكال التعبير الفلسفي باختلاف الفلاسفة, فإن الفلسفة تبدأ بالاندهاش L’étonnement. والدهشة كما يقول أرسطو هي التي دفعت الناس إلى التفلسف، وكما يذهب إلى ذلك شوبنهاور فالدهشة من الأمور المتعلقة بالموت والألم والبؤس في الحياة، كانت هي الدافع الأقوى للتفكير الفلسفي والتفسير الميتافيزيقي للعالم. إن الاندهاش من الظواهر التي يعرفها الوجود, خاصة تلك التي لم يستطيع الإنسان أن يجد لها تفسيرا هي التي جعلته يتساءل، أو بقول هيدغر " إن اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالتساؤل". لكنه تساءل يحتاج إلى أجوبة أكثر إقناعا خاصة إذا ماسلمنا مع شوبنهاور بأن الدهشة الفلسفية تفترض في الفرد درجة أعلى من التعقل، بحيث ينقلب الاندهاش من الوجود والعالم الذي لاينفك يمثل لغزا للإنسان، في الفلسفة إلى مجموعة من الأسئلة المترابطة في ما بينها. وهذا يحيلنا إلى طبيعة السؤال الفلسفي وخصائصه ومميزاته ووظائفه.
صحيح أن كل الناس يتساءلون، لكن السؤال العادي يفترض إجابة بسيطة ونهائية،لكن التساؤل الفلسفي يتميز بالقصدية والشك القبلي في الجواب, كما يهدف إلى هدم الاعتقاد القبلي في امتلاك الجواب أو المعرفة، وهو سؤال ليس منعزلا بل ينتظم داخل تساءل فلسفي متناسق يجعل الجواب ذي طابع دقيق وبرهاني. بحيث يتمظهر هذا الجواب الفلسفي في صيغة خطاب فلسفي ضمن خطابات أخرى متعددة ،لدى فهو يسعى إلى إثبات صدقيته وتماسكه المنطقي. إن السؤال كخاصية أساسية للتفكير الفلسفي هو خاصية ملازمة لتاريخ الفلسفة وموجود منذ بداياتها, إذ كان سقراط يرتكز, في محاوراته أساسا, على طرح الأسئلة وذالك قصد بناء معرفة حقيقية بعيدة عن الوهم والاعتقاد البديهي بامتلاك حقائق الأشياء. وهو اعتقاد غالبا ما يحاربه الفيلسوف وذلك بوضع الحقائق بمحك الفحص والنقد. الشئ الذي أدى إلى أن تنتج الفلسفة إحدى آليات فعل التفلسف " الشك المنهجي" على يد رينيه ديكارت، فالشك يقتضي وضع كل الأشياء موضع تساءل، وذلك قصد الوصول إلى الحقيقة، وبتعبير ديكارت إن أحكاما كثيرة تمنعنا من الوصول للحقيقة وتتشبث بنفوسنا تشبثا يبدوا لنا معه أنه من المحال أن نتخلص منها ما لم نشرع في الشك من جميع الأشياء التي قد نجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين. إن الشك، كتجربة تعيشها الذات تجاه حقائق معينة، يعمل على نقد وفحص أسس هذه الأحكام وإعادة بناءها على أسس أكثر عقلانية، على اعتبار أن العقلانية أساس من أسس فعل التفلسف. فإذا كان الفيلسوف يتفلسف بدافع من اندهاشه, ومن أجل المعرفة الحقة, وبفعل شكه المنهجي، فإنه يتفلسف كذلك انطلاقا من ضرورة إعمال العقل والنقد، أي أن التفلسف يقوم على النظر العقلي الذي يفحص موضوعه من أجل معرفته معرفة حقه. فالعقل هو مصدر معارفنا، أي إقامتها على معيار العقل ولاشئ غير العقل.
لا بد من الإشارة إلى أن التفكير الفلسفي يخضع للصرامة المنطقية، أي إلى وجود روابط عقلية بين المقدمات التي ينطلق منها الفيلسوف والنتائج التي يتوصل إليها، هذا من جهة ومن جهة ثانية وجود علاقة منطقية بين نظريات الفلسفة سواء تعلق الأمر بنظريات في الوجود أو المعرفة أو القيم. فما هي القيم التي دافعت عنها الفلسفة؟ يجيب إريك فايل على هذا السؤال بأن الفيلسوف يسعى إلى أن يختفي العنف، بكل أنواعه المادية والرمزية، من العالم. ويقدم جون لوك إجابة أخرى مفادها أنه لابد من المحافظة على كل الحقوق الإنسانية والمدنية، وذلك بإضافة العدالة إلى واجبات الإحسان والمحبة. فالفلسفة بهذا المعنى تسعى إلى إنتاج قيم إنسانية نبيلة ومثل عليا باعتبارها غاية قصوى للوجود الإنساني مثل الإيمان بالاختلاف والحوار والتسامح ونبد التعصب واحترام حقوق الإنسان. كما تقف الفلسفة في مواجهة مسخ الوجود البشري والمس بقيمته وتشويه كينونته بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي. وهي إحدى الوظائف التي تبرر حضور الفلسفة فتتنبأ بمستقبل زاهر لها، فكما يرى اريك فايل فالفلسفة تنتعش خلال الفترات التي بكل تأكيد هي فترات البؤس المطلق. فالفيلسوف يقف بأسئلته محاولا إعادة النظر في الظواهر التي تعمل على تنميط الإنسان وتشييئه وإن كانت تبدو بديهية للعامة.
إن الفلسفة تجعل من الوجود الإنساني وقضاياه الميتافيزيقية موضوعا لها، كما تجعل من نتائج المعرفة موضوعا للتأمل. إضافة إلى ذلك فإن التفكير الفلسفي يهتم بالقيم، وعلى المستوى المنهجي فإن للتفكير الفلسفي توابث تجعل منه تفكيرا متميزا عن باقي أنماط التفكير الأخرى. إنه تفكير يعتمد على الدهشة والتساؤل والشك المنهجي, كما أنه تفكير نقدي،
و شمولي، وعقلاني ونسقي. والذين يتساءلون عن دور الفلسفة وعن فائدتها اليوم إنما يعلنون عن سر الفلسفة من حيث هي خطاب ضد العنف بجميع أشكاله وضد تشيئ الإنسان أمام التقدم العلمي والتكنولوجي وضد الخطاب الواحد، وبهذا المعنى يمكن أن نردد مع اليفر ليمان "إننا قد نكون على أعتاب مجتمع مابعد الحداثة إلا أننا لسنا على أعتاب مجتمع ما بعد الفلسفة" .